
في لحظات قد يظن العدو أنه أحرز تقدماً على الأرض ، إلا أنه لا يدري أن في كل هجمة يوجهها لتدمير البنى التحتية ، يمنح الجيش انتصاراً أعظم و تفويضاً أقوى ، لإلتفاف الشعب حوله ، ففي لحظات الألم قد تكون الضربة موجعة ، و لكن ينتصر الجيش عندها بتوحد الجبهة الداخلية حينما يلتحم الجيش مع الشعب ، فتتلاقى القلوب ، و يشتد عزم الأبطال ، و هكذا تُصنع القوة الحقيقية ، وهكذا يصبح الجيش أصلب عوداً و أقوى عزيمة من ذي قبل .
حين تشتد العتمة و تضطرب الأرجاء ، كما كان ذلك في الساعات الأولى للحرب في بدايتها ، ظن الناس أن الجيش قد أحيط به ، فنهض ، لا بثرثرة الشعارات ، بل بثبات السواعد و رجاحة العقول و الصبر على المكاره ، لا أحد ينكر أن في مسار المعارك هنالك منحنيات قاسية جداً ، و أن وقع أي مفاجأة من المؤكد أنها ستزلزل الصفوف لساعة ، و لكن الجيش قادر على امتصاص الصدمات كما عودنا دائماً ، ثم يفاجئ الناس بعدها بصورة أكثر صلابة و قوة مما كان عليه .
لن يتوقف رجال القوات المسلحة عند حدود المفاجآت ، و لكنهم سيعيدون قراءة الأحداث بعمق و سيعملون على تنظيم صفوفهم بإيقاع يليق برجال أقسموا لله أن لا تذل راية الوطن ، و هم على قيد الحياة ، فهم يعملون بصمت لإعادة رسم خرائط القتال عبر خطط دقيقة و سنرى ذلك في الميدان في مقبل الأيام القادمات ، و كما يقول المثل : (أن الضربة التي لم تقتلك ، تقويك) نعم لكنها تجعلك أكثر شراسه مما كنت عليه فلا بكاء على شئ مضى .
لا أحد يمكن أن يقلل من أثر الضربات التي نالت من بنيتنا التحتية ، و الخسائر التي نالت من مدخراتنا ، فهو واقع لا يمكن إنكاره ، و لكن ما يجري خلف الجبهات أكثر عمقاً من مجرد رد فعل ، إنه بناء متجدد للروح القتالية ، و ضبط للأنفاس ، و عودة واعية إلى جوهر القضية من أجل حماية الأرض ، و الذود عن كرامة الوطن .
تسارعت تقنيات الأعداء مجتمعين ، من مسيرات و أدوات رصد دقيقة ، و لكن الجيش لن يقف عاجزاً عن مواكبة هذه التحديات ، التي كانت باعثاً حقيقياً لتجديد قوته ، فالحرب ليست جولة واحدة ، و إنما هي قصة طويلة ، ستحسم في الميدان بإذن الله .
ليست الحرب طنين تقنيات تتراقص في السماء ، و لكنها امتحان حقيقي للإرادة و الهدف ، و هي ميدان لإختبار القلوب قبل البنادق ، و ماحدث في بورتسودان من قصف و تدمير ، هو خسارة ، و لكن لن يحصد للعدو نصراً بذلك ، فالنصر لا يصنعة زر على لوحة تحكم ، لانه يولد من عرق المجاهدين و من رحم الإيمان بالقضية ، و من خطوات الأبطال المثقلة بالغبار ، وهم يطوون الأرض حجراً حجراً ، و شبراً شبراً ، ويزرعونها عزيمة لا تهتز .
في معركة الكرامة هذه ، لا مكان للخوف أو الإهتزاز ، فإنا لن نخسر أكثر مما خسرناه في يومها الأول ، و ليس هنالك متسع للعين أن ترمش أمام أي خطر قادم ، إنها معركة الرجال الذين عقدوا النية على الفداء ، و أقسموا برب العزة ، ألا يسلموا الأرض إلا وقد ارتوت من دمائهم الزاكية ، إنهم لا يسألون عن عدد الطائرات التي قصفت ، و لا عن حجم الدمار الذي حدث ، بل يسألون عن مكان الثغرة ، و مكان وجود العدو الذي سيمزقونه إرباً إرباً بأنيابهم لا ببنادقهم .
أما الذين يظنون أن الحروب ستربح من بعيد ، فهم واهمون ، و لا يعرفون من يكون الشعب السوداني ، و كما أنهم لم يعرفوا ساحات النار و ساحات الفداء من قبل ، و لم يذوقوا طعم الأرض حين تختلط بالدم ، فالمجد لا ينحني لأزيز المعادن في السماء ، بل يركع أمام أقدام الشهداء ، ويزهو بعزم الثابتين من الأبطال ، أصحاب القضية .
إن شعبنا اليوم يقف على أعتاب فجر جديد ، و نحن نعلم يقيناً أن الحرب قد تطول ، و أن الجراح قد تثقل بالآلام ، و هي غائرة في الأعماق ، و لكنّ جذوة الإيمان في الصدور لا و لن و لم تخبو أبداً ، طالما هنالك قضية ، فلا بد أن يعلوا هدير الرجال أكثر من ذي قبل ، و حينها ستصمت أمامهم المسيرات ، فإن من يصنع التاريخ هم أولئك الذين يحملون أرواحهم على الأكف ، و يمضون بثبات إلى حيث يُختبر الصدق و يُكتب المجد .
فلا نامت أعين الجبناء ، و إنّا لمنتصرون ، بإذن الله تعالى .