
(عيسي موسي) مثال للتعايش الجميل ونبل الانسان والهجرة والترحال
عاش السودان فترات طويلة امناً رغم قبائله المتعددة والمختلفة الا ان هناك اخلاق واعراف لا يكسرها احد و(حدود) يحترمها الاخر ويعرفها جيداً ولا يتعدي عليها ولا اقصد حدود جغرافية فقط بل حدود واعراف للتعايش ورعاية المصالح المشتركة والاخر مقبول مادام محافظاً علي الحدود و راضياً بها ويمارس حياته في مجتمعه ومع جيرانه و يحترم تلك الاعراف ولا يتعداها…. في مجتمعات الرعي والزراعة و الوظائف الحكومية
بعض الجماعات المتمردة علي الواقع (وان كان جميلاً) و انانيتها رأت الدخول من تلك المداخل و اشعال نار الفتنة واغرت البعض بما يمكن ان يحصل عليه من مصالح بالتمرد علي تلك الاعراف والحدود حتي وصلنا لما نحن عليه الان والذي يمكن ان تكون نتيحته انشطارات عديدة وقد فقد المليون ميل مربع ثلثه سلفاً وللقضية بقية…. َ
القبلية والجهوية في بلادنا تنهش عظم الوطن الكبير والحرب الدائرة بين الجيش السوداني وكتلة قبلية تم تكوينها من قادة ذات الجيش بامر حكومة (الانقاذ) لتدعمه (دعماً سريعاً) في حروب دارفور المشتعلة وقتها بذات نار القبلية والجهوية حتي اصبحت كما (قالوا) من رحم القوات المسلحة الي قبل ساعات من قيام الحرب التي اصبحت بعد رصاصتها الاولي قوات الدعم السريع حركة( متمردة) في معارك متفرقة اسموها (معركة الكرامة)…
وقد نصح الناصحون وقتها من الخراب الذي يمكن ان تجلبه مثل هذه (القوات المسلحة) المبنية علي اساس عنصري يثير الخلق ضد بعضها البعض و المبدأ (اضرب دا بي دا) وقام البرلمان و(لم يقعد) وسجنوا كل معارض لتكوين تلك القوات (بالغانون)
كانت قبيلة (معينة) فتية وقوية و بطونها وافخاذها هي المكون الاساسي لتلك القوة المقاتلة كما جلبت جنود من دول مجاورك دون رقابة لحماية النظام
غير ان( عيسي موسي) و امثاله حكاية اخري فهو من ذات القبيلة قادم من دارفور عبر جسور السكة حديد الرابطة للوطن بعمق سياسي اجتماعي اقتصادي ومؤسسية وزارة الصحة حينها ساقت الرجل نحو رحلة مجهولة التفاصيل من غرب السودان لشماله فاصبح بعد وقت وجيز الصبي الفتّي وقتها واحداً من قبيلة الشايقية ثقافة وسلوكاً في قري( الحجير والمقل) من عمال الصحة يعمل بالمدرسة نهاراً يصفق و(يدق الواطة)و يبشر مع الصبية عندما ترقص الصبايا علي ايقاع( الدليب) ويعانق (عيسي موسي) النيل مع (اولاد البحر) سباحاً ماهراً….اما الدليب ربما هي علاقة قديمة لا اعرفها بين فاكهة الدليب ذات النكهة المميزة جداً وايقاع الدليب المميز جداً والاول ينمو بكثافة في غرب السودان بينما الثاني هو ايقاع اهل الشمال وقبائله علي (نقارتهم) ورقصاتهم واغانيهم و(مادام طار جني الوزين يا دوب قل نوم العين) والمغني من (الهواوير) وعلي النقارة (بديري) والكورس (شايقية) والراقصة الجميلة (محسية) الاصل تجمعهم ثقافة المنطقة ولعل هذا ماجعل (عيسي موسي) القادم من غرب السودان وقبيلته المحترمة يتمسك بارض (الحجير) ذات المساحة الضيقة علي الشريط النيلي وخلف بيوتها جبال وحجار ورمال وصحراء كانت ومازالت بحاجة للاستصلاح الزراعي والمعماري وربما تكون حاوية ارض من ذهب ويورانيوم وبحر من المياه الجوفية و لا ندري
اندمج عيسي موسي عفوياً مع تلك الثقافة وبذات اعرافها تزوج منها مرتين ومازال يمارس حياته حفظه الله بصورة طبيعية دون خوف او وجل
ومن ذات وزارة الصحة نُقل (عثمان الفاضلابي) لجنوب السودان وصار دينكاوي يرطن ذي (الطلقة) استضافه الطيب محمد الطيب في برنامجه الشهير صور شعبية وصديقي عمار شليعة درس بجنوب السودان ورقص ولعب معهم نصف عاري وهكذا كان السودان وموظفيه والجيش والشرطة و (الجلابة) التجار يجوبون كل انحاء السودان متنقلين الي ان يستقر بهم الحال في مناطق جديدة تحتضنهم بعد ترحال الطويل والمعرفة التي اكتسبوها وربما تزاوجوا وتصاهروا واصبحوا فعلاً من ابناء تلك المناطق
ومن ذات (الحجير) استقر (معلم صديق) بالابيض حاضرة كردفان (الغرة ام خيراً جوة وبرة) وبني بها وعمّر وهو مقاول معروف بعد رحلة طويلة للاجداد تشبه رحلة النيل حتي المتوسط الا انها عكس تياره وطبيعته من اندماج واقتران الي تفرع وشتات في رحلة الإعمار في الارض حيث قدِمْوا من نهر النيل عند المنحني في الشمال وتفرعوا استقر بعضهم واسلافهم علي النيل الازرق والبعض الاخر علي النيل الابيض واخرون اتجهوا نحو الغرب والشرق واصبح (معلم صديق) احد( مشاهير) الابيض و من اهل كردفان بلا ادني مغالطة وابنه المرحوم فريق اول عبد العظيم صديق عُرف انه من ابناء الابيض كما اسس أبناء عمومة (معلم صديق) قرية( الرقل) ريفي الحاج عبدالله وانتشروا في السودان الامن الواسع مترامي الاطراف
(عيسي موسي) لا يذكر انه رزيقي او مسيري او فوراوي رغم معرفته التامة بذلك الا عندما يُسال ولا يحدث ذلك من امثالي عندما سجلت معه فيديو فصمت ثم قال انا شايقي من (الغرب)…
والفريق عبد العظيم ابن المعلم صديق تتقدم الابيض عنده اي انتماء قبلي اخر..
هكذا كان اهل السودان
والمهدية تؤكد مدي امكانية توحيد كل الناس نحو هدف سامي وهكذا (عمر اهل السودان الارض اينما قطنوا) وكل الحكومات وكشوفات تنقلاتها استطاعت ان تخلق وتعمر مدن جديدة وسودان مصغر في الشمال والجنوب والشرق والغرب
وبذات النواة التي جمعتهم استطاعت الفتن وصانعوها اثارة تلك الكوامن واشعال نيرانها ان تفرقهم حتي وصولنا لهذه (الحرابة) و(الدواس) ثم (الجقم)
لقد كانوا كلهم علي ذات الدين والقيم المتشابهة والاخلاق الكريمة الي ان اتي قريباً (جماعة فرق تسد)…
عزيزي القارئ في كل بقاع السودان لا شك ان الان تستحتضر امثلة تشبه (عيسي موسي) وكل المذكورين عاشوا امنين واستقروا في مدن وفيافي السودان المختلفة وكان غرب السودان المشتعل الان وجنوبه المنفصل قبل سنوات وشرقه الذي حل محل العاصمة في هذه الحرب كل هذه المناطق كانت حلماً وحياة جديدة لقادمين الجدد
ثم صارت الخرطوم في العقود الاخيرة تحوي اكثر من نصف سكان السودان نتيجة للسياسات العقيمة والنفوس المريضة حتي دخلت في هذه الحرب التي مست كل اهل السودان في املاكهم و ارواحهم ولك الله يا وطني
وليتنا نعود للسودان القديم بفهم جديد ورح تختلف عن المتداول الان ضد (دولة ٥٦) او مع (السودان الجديد)
ف(عيسي موسي) مازال متمسكاً ببلده الحجير مركز مروي وقطعاً كل الحجير والمقل وما جاورها متمسكون به فهو ابن المنطقة والسودان يسع الجميع اذا ارتقت المفاهيم العقيمة نحو مفهوم الانسانية العميق والفرق شاسع بين العقم والعمق فالاول يجلب المهالك و (اللاشئ) والثاني هو الخيار الافضل لو كنتم تعلمون
سلام سلام
محمد طلب