
(ود الطيار) و الأسرة المصرية في الحرب السودانية 3
كان يوم (15 ابريل) من اطول الايام التي مر بها المهندس (محمد متولي) خلال تواجده بالسودان لاكثر من ستة عشر سنة او في كل حياته علي الاطلاق
اطفاله البنات (حنين) ١٤سنة و(حبيبة) ١٠ سنوات وزوجه اصابهم الرعب وتكاثف الخوف وتراكم علي قلوبهم الرقيقة الصغيرة.. اما (يوسف) ذو ال ١٨ عاماً البالغ سن التكليف يحاول التماسك عندما ينظر الي عيني ابيه التي كادت ان تبيض حزناً علي حالهم وكانها تقول( لا تقتلوا يوسف) وعشم متولي (ان يلتقطهم بعض السيارة) ولكن هل من( سيارة) في ظل هذا القصف؟؟ فظلت (حنين) في حضن والدتها وحبيبة في حضن والدها وحبيبها وهو ينظر ليوسف ويحدوه الامل في عودتهم و(يوسف عزيزاً لمصر) كانت قصة سيدنا يوسف تسيطر علي تفكير (متولي) ويردد اياتها عن ظهر غيب…. طول الوقت كان الاطفال في احضان والدهم و والدتهم وهما يحاولان تهدئتهم وزرع الطمأنينة في نفوسهم التي لا تعرف مثل هذه الاصوات المرهبة والمرعبة ولم يشاهدوا ماهم عليه حتي في افلام الرعب والالعاب العدوانية…
……
كانت الميديا تنقل بعض الصور المخيفة و لعشرة ايام بلياليها ظل متولي وزوجه واطفاله الصغار علي هذه الحال لا يزورهم النوم او حتي الاحلام المفزعة واجسادهم متعبة رغم انهم لم يتحركوا شبراً من شقتهم ولم يبذلوا اي مجهود لكن (الاعصاب البايظة) والدماغ وما يستقبله عبر الحواس يؤثر بشكل كبير علي الجسد (فانت بالروح لا بالجسم انسانا) وقد عمل المهندس طول حياته علي استكمال فضائل النفس وهو من اسرة مستورة الحال تعلم الصبر من مهنة والده في( الصيد) و اكتسب الكثير من صفات الماء في اللين والقوة في ذات الوقت
……
…………..
كان مجرد اعداد لقمة لهولاء الصغار يعد مخاطرة كبيرة بل ان جرعة ماء من (الكولر) تحتاج لاختيار الوقت المناسب واعداد خطة الحركة عندما تخفت اصوات البنادق والرصاص هي لحظات تمثلت فيها الاية( 45) من سورة النور فقد مشي (محمد متولي) علي بطنه وعلي اربعة احياناً ونادراً ما يقف علي رجلين مثلما يفعل الناس في العادة وكانت كل امنيته ان ينتقل المتقاتلون للاية التالية (46) من ذات السورة ويهدهم الله ممن (يشاء الي صراط مستقيم) وما زلنا حتي بعد مرور مئة ليلة بالاضافة ليوم واحد بعد المئة يوم ننتظر مشئية الله ولله في خلقه شئون وربما لو كُشفت لنا الحجب لفضلنا استمرار الحرب الي يوم البعث لكن كانت قناعة متولي ان امره تعالي بين الكاف والنون يجعله متماسكاً وصابراً وينتظر الفرج في اي لحظة ويبذل ما بوسعه لذلك جاهداً
……….
…. ……
ظل ود الطيار بعد اداء العمرة والاطمئنان علي اولاده واهله والاحوال بالمنطقة في اتصال دائم مع (محمد متولي) ينصحه بالمغادرة والالتجاء لمنزله الخالي الامن نوعاً ما في القرية.. لكن (محمد متولي) كان يري بعينيه خطورة الخروج خصوصاً بعد مشاهدة الاسري المصريين من العسكريين بمطار مروي
في ذات الوقت كان (محمد متولي) يجري اتصالات عديدة تستنجد بالخروج من منطقة بري وناصر الملتهبة و الجميع يقول محقاً وصادقاً كيف نصل بري؟؟ .. بين ليلة وضحاها اصبحت بري بعيدة جداً من كل مكان بالسودان ودخولها ثم الخروج منها شبه مستحيل و يعني الموت ولا شئ سواه ولسان محمد متولي يردد اغنية محمد عبد الله الامي رحمه الله *(ما بخاف من شئ برضي صابر المقدر لابد يكون)*
الميديا تنقل كثير من المشاهد المفزعة… طبيبة تُدفن بحديقة منزلها… وحارس يموت جوعاً في قلب الخرطوم.. وعالم في متحف الطبيعة يضع جسده داخل حوض الفورملين باخر نفس عندما شعر بدنو اجله حتي لا تتعفن جثته وتتحلل وخلق لنفسه قبراً سائلاً و(متولي) يحاول ان يخفي كل ذلك عن اسرته لكنهم يشعرون
………………
هذا الصباح وبعد اسبوع من الحصار كادت الاطعمة الموجدة بكل البيت ان تنفد وحتي الماء علي وشك الانتهاء حينها بدأ المهندس يتحول الي اقتصادي حصيف يُمارس سياسات التقشف بحسابات دقيقة جداً وغريزة البقاء الان في اقصي درجات التحفز عند الجميع
اليوم نفد الرصيد الذي يُمكن (متولي) من اجراء المكالمات التي ربما تاتي بالفرج… واتصال في الوقت المناسب من (ود الطيار) بالسعودية يعطي املاً جديدا بعد ان نفد رصيد المكالمات علي الهاتف وكاد الياس ان يقتل متولي لكن غريزة البقاء ورعاية الخالق حاضرة ولكل اجل كتاب
……. …..
………..
في الجانب الاخر بالمملكة العربية السعودية كان (الشيخ ادريس) يجري اتصالات مكثفة بالاهل والمعارف والاصدقاء اتصالات داخل السعودية واخري بالامارات ومصر والسودان شرقاً وغربا اسفرت اولاً بتحويل رصيد مكالمات كاف علي خط زين بهاتف محمد متولي من بورتسودان وعلي شريحة اريبا من جهة اخري… اسماء كثيرة جدا ساهمت في خروج امن لحضرة المهندس متولي….
…..
واصل ود الطيار في اتصالاته المتتالية خلال عشرة ايام سخر فيها المولي عز وجل كثيرون لانقاذ هذه الاسرة ساهموا بافكار وخطط وتواصل و اتصالات في اكثر من دولة ساهمت في خروجه الامن…
………
فشلت محاولات (ود الطيار) في وجود سيارة تصل بري باي مبلغ نسبة لمعرفة الجميع بسوء الاحوال في تلك المنطقة التي اصبحت نائية جداً في هذه الحرب
بعد وصول الرصيد لهاتف (متولي) و في ذات هدنة من الهدن التي دوماً ما يتم اختراقها اتصل (متولي) علي احد معارفه القديمة الطويلة الممتدة فكانت بادرة امل جديدة حينما اتاه الرد من الطرف الاخر (ابشر يا اخوي جاييكم تب) كانت هذه الكلمات كافية جداً ان يدب الامل في الجميع بعد ان كادوا ان يفقدوه…..
يتبع
سلام
محمد طلب