
(ود الطيار) و الأسرة المصرية في الحرب السودانية(4)
بعد ان وصل الرصيد لهاتف (محمد متولي) واجري تلك المكالمة مع صديقه القديم(عمار) وكان رده بكلمة (ابشر) وهي الكلمة التي كانت مفتاح الامل للاسرة المنكوبة والتي تضيق حلقات نكبتها كل يوم جلبت كلمة (ابشر) معها كل الامل… اربعة حروف نستخدمها كثيرا في حياتنا اليومية دون ان نتعمق معاني (البشري) وما ينتظره الاخر من وراء تلك الكلمة وكثيراً ما تحولت (ابشر) الي مجرد حروف مفرغة من معانيها بغرض المجاملة واصبحنا نسمعها في صيغ غريبة في البرامج التلفزيونية المهتمة بثقافة (الحماس) الغمئية مثل (حرم تبشر) و(الله تبشر) و (ابشر يا زول) وغيرها وهي تحمل دلالات الاستجداء والتهديد وهذا موضوع وحكاية اخري ربما نعود لها في غير هذه المساحة
(ابشر) كانت تلك الكلمة هي المفتاح لكل ماهو قادم والمصير المجهول في هذه الحرب العبثية التي بددت كل مشروع مستقبلي لحياة افضل
وقد كان (عمار) في الطرف الاخر عند تلك (البشري) التي زفها للمهندس متولي عبر الهاتف وتكبد مخاطرها
بوفاءه للعلاقات الانسانية في نموذج رائع ونادر في عصر الماديات والزيف والتنكر واللا اخلاق…
……
تهيأ الجميع لذلك الضوء الذي ظهر في اخر النفق وبعض الخوف يتملكهم وبعضه الاخر تبدد مع تفاعلات غريزة البقاء مع الاجساد المتهالكة و قلوب الزغب الخائفة المضطربة والنفوس المؤمنة الصابرة…ظلوا ينتظرون اطول ساعات ذلك اليوم تحركت فيها مدام متولي بسرعة وتم تجهيز كل ما يمكن حمله تحت اصوات القصف و القذف واصوات الطائرات التي تقطع حركتها بين الفينة والاخري وحرصت المدام علي جوازات السفر والاوراق الثبوتية وسلمتها لزوجها لان السودان لم يعد مكاناً آمناً لمن بارضه الطيبة التي لم تعد كما كانت….
لم تكن بيد محمد متولي في تلك الايام العشرة الاموال الكافية لتلك الرحلة المجهولة وحساباته بالبنوك صارت هناك شبه استحالة للوصول اليها حتي عبر تحويل الارصدة عبر التطبيقات المصرفية والحرب في يومها العاشر والدمار وصل لمعظم الخدمات ومن ضمنها الخدمات المصرفية حتي البنك المركزي… يا الهي الي اين تسير بنا هذه الحرب…
(ود الطيار) ما زال متواصلاً مع (متولي) واسرته عبر شبكة العلاقات المتعددة باكثر من دولة وعدة مواقع بالسودان وعلم من (متولي) بالخروج المرتقب الي منطقة الكلاكلة في اي لحظة مع صديقهم (عمار)
وقد كان الشيخ ادريس ود الطيار يصر علي ذهابهم مباشرة الي بيته بقريتهم و(عمار) مؤمن بان تجزئة الرحلة هي الاجدي لاستكشاف الطريق لكن (محمد متولي) حسم الامر علي طريقة اهل السودان وبذات لهجتهم (كدي يا شيخ خلينا نمرق من البلوي دي) ضحك ود الطيار في الجانب الاخر قائلا( يازول ربك يهون)
…..
لم يكن طريق صديقهم (عمار) لبري سهلاً لكنه تحرك يدفعه (وعد ابشر) و اجري اتصالاته لمعرفة اسهل وآمن الطرق الي منطقة ( برى) الملتهبة وتحرك متوكلاً علي الله وملتزماً ب(ابشر) وعمق معناها ومفتاح الامل الذي ينتظره الطرف الاخر واجه (عمار) بعض العقبات بعد وصوله شارع (الستين) وتمكن من تجاوزها الي ان وصل شارع المعرض و منزل المهندس متولي
قبل الساعة الرابعة بقليل واليوم هو اليوم العاشر للحرب اتصل (عمار) وكان المهندس بالحمام وعندما رات (مدام متولي) اسم المتصل كاد قلبها ان ينفجر وصرخت (عمار متصل) و اوصلت الهاتف لزوجها الذي خرج مسرعاً وهو يقول لهم (يللا بسرعة دقائق وعمار حيكون تحت) وهنا تحولت الشقة لخلية نحل الكل يعلم مهمته وماهي الا لحظات تحت اصوات القصف ورصاص القذف حتي كان الجميع واغراضهم داخل السيارة الصغيرة يحمدون الله علي هذه الخطوة التي تعتبر نصف رحلة المجهول اذ كان الخروج من شقة بمنطقة بري وناصر امر شبه مستحل…
يتبع
سلام
محمد طلب