
ود الطيار والاسرة المصرية في الحرب السودانية (10)
*الاخيرة*
بدأ الخوف والرهبة يتسرب الي القرية الامنة ولعبت الميديا دور كبير في زراعة الخوف في نفوس الضعفاء والمرضي والنساء…و كل يوم يظهر منشور علي الوسائط بان هناك قوة كبيرة قادمة سوف تهجم علي القرية وتقلب نهارها ليلاً بالاسي وليلها ستجعله النيران نهاراً.. وكأن هناك جهة ما تلعب هذا الدور وتزرع الرهبة في النفوس ولا ندري ماذا تريد ان تجني من وراء ذلك…. فبعض الاحيان تحدد مواعيد الهجوم وعدد قوته…لكن بعض القلة العقلاء كانوا يهدون من روع الناس بينما منابر المساجد صارت تدعو الناس دعوة رعناء للقتال وحمل السلاح والجهاد
وفي ذات الوقت و علي ذات الوسائط اصبحت تظهر اعلانات عن بصات سفرية سوف تتحرك من القرية مباشرة الي مصر
و ذات يوم في ساعة متاخرة من الليل سمعت القرية عبر مكبرات الصوت بالمساجد عن هجوم قادم وحددت مواعيده.. وهرعت مجموعات من الشباب في ترحيل الاسر الساكنة في مدخل القرية الي داخلها وشهد ذلك الليل حركة كثيفة في القرية وغادرت اسر كثيرة منازلها واكتظت مساكن القرية القديمة بمن اصابهم الرعب وفي صورة غير مدروسة تحول مدخل القرية الي منطقة مكشوفة وبيوت خالية يمكن ان تكون مقرات للقوة القادمة واهداف للسرقة والنهب ولا ندري مصدر تلك الاخبار لكنها كانت تسري سريان النار في الحطب الهشيم
و بدأ (متولي) يتواصل مع الجهات المعلنة عن سفريات من القرية الي مصر بعد ان تاكد ان هناك سفريتين قد وصلتا الي مصر و استشف ذلك من الكلام والونسة التي سمعها واصبحت متداولة بعد الاعلان عن الهجوم القادم علي القرية مجهول المصدر وجهز نفسه واسرته للمغادرة بعد ان حجز مقاعده في الرحلة القادمة
(ود الطيار) مازال علي تواصل مع (متولي) وهو يبحث ايضاَ بالامارات عن طريق العودة للسودان وعندما سمع خبر مغادرة (متولي) كان يصر عليه ان ينتظره حتي يرجع من الامارات ولكنه كان قد استخار ربه وحسم امر مغادرته السودان عاجلاً فما يسمعه لا يسر اطلاقاً وراي بام عينيه بعض الاسر تغادر القرية و كما يقولون ليس من راي كمن سمع ولكن متولي سمع و راي واستخار وقرر الرحيل باسرع فرصة
ركب متولي واسرته البص وهم يودعون القرية ومضيفوهم وقد تملكهم كم هائل من المشاعر المختلفة وتحرك البص في رحلة مجهولة النهاية معلومة الوجهة
كانت القوات المسماة بالدعم السريع منتشرة بشكل كثيف وتكاد لا تري غيرها وكان متولي واسرته يواجهون صعوبات كثيرة بمجرد معرفة انهم مصريون عند الارتكازات العسكرية وخلال مرورهم بسبعة ارتكازات لاحظ متولي تحفظهم وتحفزهم ضد المصريين وسمع كثيراً من الاهانات والاساءات والفاظ لم يسمعها خلال الستة عشر عاماً التي عاشها واسرته بالسودان الا ان اصعب المواقف التي مرت عليه خلال رحلته هذه بل خلال وجوده بالسودان كان عند ارتكاز جسر الحلفايا فبمجرد معرفة جنود التفتيش ان متولي مصري اصابهم هياج عنيف وقال له احدهم انتم المخابرات و قواد الطائرات التي قتلت اخواننا واليوم ستموت انت امام اولادك مثل ما قتلتم اخواننا واشهر سلاحه علي راس (متولي) و اولاده يصرخون ثم قاموا بتفيشهم تفتيشاً دقيقاً واخذوا كل الاموال التي وجدوها معهم وتعرض (متولي) لاول مرة في السودان لاساءات بالغة امام اولاده والفاظ بذئية عرف بعضها واخر لم يسمع به لكنه يحمل (تون) البذاءة.. وظل هذا الامر لاكثر من نصف ساعة كانت اطول30 دقيقة في حياته والكلاش معمر علي راسه ورجاءات الاطفال ودموعهم لم تشفع الا ان لطف الله كان قريب وغريب جداً وفي لحظة حاسمة هتف الضابط المسئول عند الباب (البص دا تاخر خلوهم يمشوا حينها ضربه العسكري بفوهة الكلاش حتي وقع علي زوجه واردف العسكري وهو يتجه نحو النزول بلفظ بذئ لحق ب( ام كل المصريين).. نزلوا وتحرك البص بعد لحظات بين الموت والحياة وبعد الصمت الرهيب الذي عم البص بدأت الاصوات تلعن وتعتذر وقامت مجموعة تجمع اموال لتعويض متولي عن الاموال التي اخذوها منه واصروا علي متولي فالطريق طويل والرحلة في بدايتها… وطول الطريق الصحراوي الموحش الممتد حتي المعبر لم تواجههم اي مشكلة اخري ولا تبدو هناك اي مظاهر عسكرية او حربية وكانت تسيطر علي الجميع روح الخوف من المجهول….
وصل البص المعبر الحدودي وتسهلت امور متولي بدرجة غير متوقعة حتي دخل الاراضي المصرية حينها اصابته نوبة من البكاء الشديد عندما تنسم هواء مصر وملأ رئتيه منه ونزلت دموعه بغزارة وانتقلت العدوي لبقية الاسرة …
وكانت رحلتهم من اسوان للقاهرة سريعة وكأن السيارة تطوي الوقت طي السجل …
وصل متولي واسرته القاهرة فوجدوا من ينتظرهم بالاحضان والقبلات ثم تحركت بهم السيارة نحو مكان بيتهم والصمت يخيم علي الجميع يتملكهم التعب ومناظر القتل والدماء التي شاهدوها تعمي ابصارهم عن مصر الجميلة الصاخبة و الضاجة بمظاهر الحياة
عندما وصل متولي واسرته مكان سكنهم رأوا رجلاً اسمراً يحمل سكيناً كبيراً وكانه ينتظر شخصاً ما… احس متولي وكأنه يعرف هذا الرجل وتحرك قلبه وعقله لمعرفة ما يشده لهذا الرجل هل هي النهاية ام بداية جديدة وبمجرد نزولهم كبر ثلاثاً بصوتٍ عالٍ وفي حركة تشبه افلام (الاكشن) ذبح الخروف الابيض الذي كان يمسكه خلفه قائلاً بسم الله وحيا الله الشيخ البدوي (مرحباً بكم في طنطا) وسالت الدماء غزيرة في تلك اللحظة الدرامية اسرع متولي ولحق به يوسف و(طفروا) الخروف ودماءه تسيل تلك العادة التي تعلموها بالسودان و في ذات الاثناء ظهر رجلين تبدو عليهما مظاهر القوة والتمرس مسكوا الرجل الاسمر وبسرعة اطاحوه ارضاً ووضعوا الكلبشات علي يديه وهو يصرخ بقوة تردد صداها علي المساكن الكراااااااااااماااااا……
انتهت
سلام
محمد طلب