مرحبا بكم بشبكة زول نت .. للإعلان إضغط هنا

مقالات الرأي
أخر الأخبار

هل من استراحة بعد الاستباحة/ماسأة العيلفون (4)

هل من استراحة بعد الاستباحة/ماسأة العيلفون (4)

كنت قد بدأت في سرد الاحداث التي واجهتني شخصياً في اجتياح مدينة العيلفون وهي قطعاً واجهت الكثيرون من اهل السودان وتوضح بشكل جلي ما تعرض له اهل السودان وتبين التجاهل الكبير الذي يشهده السودان من دول العالم حوله وكنت قد توقفت لمدة عشرة ايام تعرضت خلالها لوعكة عظيمة جعلتني بين الحياة والموت وكنت فاقد الوعي وبعيدا عن الادراك… وسوف اواصل ما انقطع من حديث والغرض من ذلك مجرد توثيق تلك الاحداث وعشمنا منقطع لله دون غيره والامل مازال يحدو بنا رغم كل المرارات

عندما تركتني قوات الدعم السريع واهداني قائدهم قارورة عصير اول ما تبادر لذهني هو التخلص من هذا العصير لكنهم من خلفي ينظرون.. تقدمت بخطوات ثقيلة نحو داري وطرقت الباب فلم يفتحوا لي وكانه لا يوجد بالدار كائن حي صرت اطرق بقوة ولا حياة لمن تنادي وصار عقلي مضطرباً مشتتاً وازداد قلبي في الخفقان و قدماي علي عدم تماسكهما اصابتهما رجفة فصرخت (افتحوا الباب يا الجوة) وما هي الا لحظات حتي وكانت كل الاسرة عند الباب يحتضنوني وانا اقول (امي وين والحصل شنو) واتجهت مباشرة نحو بيت ابوي رحمه الله حيث بيننا وبينهم (نفاج) وجدت الوالدة متجهة نحوي في (نص الحوش) فاحتضنتني وهي باكية منتحبة تردد (كنت وين يا ولدي) فقبلت راسها ودموعي تجري وقلت (انت يا امي ما عارفني كنت وين) والله ياولدي قلبنا اتقطع قلنا كتلوك.. دخلوا علينا وشالوا العربية اديناهم المفتاح واطلقوا نيران واخذوا الاموال… كنت مع امي في عالم اخر ريثما انتبهت ان بيتنا مكتظ بالناس من حولي منهم من يواسي ويصبر ومنهم يبكي ومنهم من (وضع الخمسة فوق اتنين)و دموع تذرف كانت لحظات عصيبة لم يصدقوا انني ما زلت علي قيد الحياة من كثافة النيران والقنابل التي سمعوها والرصاص الذي اطلقوه داخل البيت والتهديد العنيف الذي واجهوه..

 

وجدت بمنزلنا المجموعة التي كانت تعمل علي صيانة الكهرباء بالعيلفون

 

وعلي راسهم المهندس (اشرف) كانوا ستة افراد من اولادنا واهلنا بالعيلفون من مهندسيين وفنيين وعمال.. نزلوا من اعلي العمود بعد ان كادوا ان يموتوا وتمت سرقة سيارتهم (الدفار) بما حوي…

اظلم الليل وهدات الاحوال كثيرا واختفي صوت الرصاص تماما والهدوء التام يلف المنطقة وبدأنا نتحدث لبعضنا البعض ونسترجع بعض الاحداث التي واجهوها في ذلك اليوم قلت له انتو يا اشرف مجانين واللا شنو؟؟ كهربة شنو النااس دي ما قادرة تصبر مالها) انتم تجازفون بارواحكم في هذه الظروف ويفترض ان الناس تنسي موضوع الكهرباء نهائياً وانا والله ضد كل ماتقومون به اذ كيف تخرجون وتقطعون المسافات الطويلة تحت النيران بالجهة الغربية وجسر سوبا وصافولا وكوكو ووو كي نستمتع نحن بالكهرباء وتعرضون انفسكم لمخاطر فقد الارواح اننا نحب ذواتنا وهل هذه ايام كهرباء وماء بارد ومكيفات والباشمهندس صاحب القلب الطيب والنوايا الطيبة يضحك من قلبه ويجاملني (والله كلامك صاح لكن نسوي شنو اهلنا) و يعقبها بضحكة عميقة… الغريب في الامر انه بعد يوم فقط ظهر اسم هذا المهندس ضمن قائمة (الخونة) الذين باعوا الوطن وهو امر لا يدخل عقل اي مواطن عيلفوني ويوضح بجلاء المكائد والفتن و اهل العيلفون يشهدون علي مجاهدات هؤلاء الشباب لكن دفعهم للعمل عبر اللجان التي كونوها لم تكن في محلها وخالطها الفعل الامني والعسكري و(خلط الشامي بالمغربي) ليتها كانت خدمية صرفة… وهذا كان اتجاهنا مع مجموعة اخري قوبل وقتها بمداهمة من مجموعة امنية مسلحة لا ادري ما الغرض من ذلك فتركنا الامر برمته

 

يااا للخيبة وهل نحن بهذا الغباء حتي نصدق هذا الهراء…وان مهندس اشرف ومجموعته (خونة) ساعدوا الدعامة كيف اصدق ذلك وقد سرقوا (دفارهم) وقضوا اسوأ ليلة بحياتهم يمنزلي في خوف ورعب

 

هدأ الليل تاكدت من ان جميع الشباب تواصلوا مع اهلهم وطمأنوهم وتناولنا سوياً وجبة العشاء فالبطون خاوية منذ الظهيرة ولم ينتبه احد لذلك… وجهزت لهم مكان النوم.. كان الجو هادئاً والنسمات الخريفية الرطبة تختلط برائحة البارود ونام الجميع بسرعة لكنه نوماً خفيفاً فقد اختبرت ذلك برمي العصا عمداً من السرير لعلمي ان نومي ثقيل جداً.. واختبرت نوم الاخرين علهم يكونوا احسن مني حالاً… وهل سيزورني نوما اليوم

 

استيقظنا فجر الجمعة جميعنا بخير والحمد لله وتحركنا لتفقد احوال الناس فوجدنا حي الامتداد يعج بحركة كثيفة والجميع يتجه غرباً نحو (قعير الحلة) ظناً منهم ان الحال هناك احسن…. منذ ليلة الخميس لم تظهر لنا اي صور من صور الدفاع عن المنطقة الا في الساعات الاولي من تبادل النيران مما يستدعي سؤلاً مهماً والاجابة عليه ليس سهلة هل كان الجيش مستعدا لهذا الامر من ناحية العدة والعتاد وغيره مما يعلمه اهل التخصص ولا نستطيع الخوض فيه لكن يحتاج للاجابة… عندما تشرد وتهجر وتقتل وتسلب وتنهب الاف الاسر من مدينة عريقة يحرسها معسكر (شبيش) العتيق ويقال ان شبيش هو جان يسكن تلك المنطقة وارتبطت به حوادث كثيرة علي النيل الازرق كما انه شهد احداث معسكر العيلفون الشهيرة التي راح ضحيتها عدد كبير من جنود الخدمة الالزامية وكتبت عنه الروائية ناهد قرناص رواية تحت عنوان (السنسنة الحمراء) تناولت تلك الاحداث في قصة رائعة… سبحان الله كان تعليقي للدكتورة ناهد علي الرواية انها لم تنتهي بعد وفصولها ما زالت مستمرة ودامية وكان ذلك في مارس قبل الحرب

 

زرت في ذلك الصباح منازل خالاتي بذلك الحي و احدي خالاتي طريحة الفراش لسنوات دون حركة وعلمت ان ابنها مفقود منذ البارحة ولها حكاية مهمة مع القوات المجتاحة نتناولها بالتفصيل في مقالاتنا القادمة لانها حكاية تستوعب تناقض النفوس البشرية خيرها وشرورها ومهما تكن بالنفس من شرور تظل هناك بذرة خير… والنفس البشرية هي النفس البشرية وان كانت (نفس دعامى) ولله في تسيير خلقه شئون……. ونعود ان كان في العمر بقية

 

كتبه/ *النازح واللاجئ المشرد الذي ذاق ما ذاق فاقد المأوي وكاره النفاق منتظر الاتفاق في ظل اللاخلاق و ارواح تزهق و دماء تراق*

*والامر لله الحي الباقي*

محمد طلب

اسمرا 28 اكتوبر 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى