مقالات الرأي
أخر الأخبار

تعدي الاستثمار في املاك المواطنين التيتي ✍️ خالد ابوصالح

بيع واسع جداً لأراضي الشمالية بما في ذلك الأراضي القاحلة الواقعة في أعماق الصحراء، بجانب الأراضي الزراعية الواقعة بمحاذاة النيل بغرض الاستثمار! تلك الحجة المردودة على أصحابها والتي أقل ما يمكننا وصف ما جرى تحت ظلها بالجريمة التي تستحق المساءلة والعقاب! والتي بلا شك نلعق مرارتها وسنظل نلعقها باضطراد في المستقبل القريب والبعيد على حدٍ سواء!! ويبدو أن الدولة بصفةٍ عامة ووزارة الاستثمار أو المجلس الأعلى للاستثمار (لا أدري أيهما الأصح أو أيهما المسئول ? سموها ما شئتم) قد استمرءوا هذه الجريمة، بل وخصصوا لها قوانين تفصيلية تدعم هذا التدمير!

، ومضارها ? مهما سيقت الحجج والتبريرات ? أكبر بكثير من منافعها، لنا كابنا التيتي بالنسبة لنا كمواطنين، ومن غير المقبول إطلاقاً جلب مستثمرين لايقدمون لنا أي خدمة سوا الاعتداء على راضينا ب مهما كانت الحجة!

 

 

فما من منطقة في السودان إلا وطالتها أيادي العبث والبيع والتعدي بذات الحجة، ولعلنا نتساءل بمنظور التدبر والتعقل.. ما هي الفوائد العائدة التي دفع نفرُ كريمُ من أبنائها أرواحهم فداءً في سبيل سودانٍ مستقل وواعدٍ وحُر؟ هل سألت الجماعة الحاكمة المواطن عن رأيه في جلب مستثمزين لايقدمون لنا شي او بيع أراضٍ له فيها مثل ما لها؟ أم تراها لا ترى لنا حقاً كشعب في هذه الأرض ولا نعدو بوجهة نظرها سوى قطيعٍ من الأغنام نركن لرغباتها أينما أخذتنا؟ ألم يقرأ المسئولون أو يتَّعظوا مما جرى لفلسطين وغيرها من عمليات بيع الأراضي؟ ألم يقرءوا ويعايشوا سيرة جمال عبد الناصر الذي ناضل لتأميم ممتلكات مصر ونزعها من الأجانب بما فيها قناة السويس متحدياً العالم أجمع في أجرأ وأشرف موقف ليس عرضاً لعضلاته أو فتوتنه أو قوته وبطشه وإنما لتثبيت كرامة وعزة دولته ومواطنيها ? مع ملاحظة فارق العهود والسنين ما بين التأميم بمصر والبيع هنا بالسودان ? ونأتي ونبيع أراضينا دون رقيبٍ أو حسيب! أين الضمير الذي مات وأضحى مجرد عبارات نتشدَّق بها في الخطب الرسمية والتظاهرات الشعبية؟! ألا ترى حكومتنا أن الموضوع يستحق الطرح على العامَّة احتراماً لنا كبشر وأصحاب حق كوننا من سيتأثر بانعكاسات هذه العملية الخطيرة بدلاً من البيع في الأماكن المغلقة؟

 

إن وزارة الاستثمار أو المجلس الأعلى للاستثمار عجزت حتى عن الاتفاق على اسم محدد لها فتارة مجلس وأخرى وزارة، فكيف بالله تستطيع إدارة الاستثمار في بلدٍ كالسودان؟! وكل ما يقوم به هذا الجسد العجيب (وزارة أو مجلس) هو بيع أراضي السودان دون أي دراسة أو تدبر لتبعات هذا الفعل الذي يرتقي لمستوى المحاسبة والعقاب بأشد ما يكون! كل ما فعله هذا الجسد ? وزارة الاستثمار أو المجلس الأعلى للاستثمار ? هو إصدار قانون غريب وعجيب (كتبت فيه مقالات سابقة)، بعيدة تماماً عن أي منهجية علمية أو مهنية أو حتى وطنية! لم نسمع أو نرى أي دراسة جدوى اقتصادية بمضامينها المعلومة أعدها هذا الجسد تبرهن معرفته وجديته في خدمة السودان ومواطنيه! ووزارة أو مجلس بهذا المسمى يجب أن تتركز مهامه الأصيلة في إعداد دراسات جدوى اقتصادية رصينة تشمل كل من دراسة الجدوى التسويقية والفنية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتحليل حساسية المشروع وأساليب تسديد قروضه وغيرها من العناصر التفصيلية، ثم عرضها وترويجها، وليس بيع أراضي البلد للغير وإصدار القوانين الـ(مفصلة) لهذا الغرض دون دراية أو تدبر! والنتيجة كما ترونها الآن، تم بيع أراضي البلد للغير حتى الحدود مع ليبيا، وأصبح أبناء البلد الكادحين (أُجراء) في مزارع الغير من أصحاب الأموال الوافدين وهو أمرٌ لم نره إلا عندنا هنا، ويتنافى مع كل معاني ومضامين الاستقلال والكرامة ويعتبر خيانة للذين دفعوا أرواحهم ودماؤهم في سبيل إعلاء هذه المعاني.

 

قد يقول قائل إن عملية بيع الأراضي تتم وفقاً لنظام التحرير الاقتصادي ومقتضيات الخصخصة التي ظُلِمَت كثيراً وارتُكِبَ باسمها مجموعة من الجرائم والكوارث في حق البلد ومواطنيه زوراً وبهتاناً، نقول لأولئك إن الخصخصة بريئة كل البراءة مما يجري من مهازل وتجاوزات!! وحتى إذا ما سلَّمنا بذلك، فللخصخصة أوجه وأساليب عديدة لم يُمارس السودان منها إلا البيع، وهي آخر الخيارات ضمن هذه السياسة ويكون فقط بالنسبة للمؤسسات ? نكرر ونؤكد على كلمة المؤسسات ? الميئوس من جدواها وليس الأراضي وهي أصول ثابتة وتتزايد قيمها السوقية باضطراد!! ومع ذلك سنسلم بهذا الخيار أيضاً (فرضاً وليس اقتناعاً)!! أما كان من الأجدى إيجار (بعض) الأراضي بأسعار رمزية أو تفضيلية (وليس بيع)، ليساهم معنا مستثمري الموت (كما سيرد في الجزء الثاني لهذا المقال) في تعميرها وبذلك تستفيد الدولة من عائد البيع وتتلافى تكاليف الإعمار؟ وفي ذات الوقت تضمن استقلال السودان وهيبته!

 

 

لقد بلغت أسعار الأراضي بالسودان ? نتيجة لعمليات البيع التي تمارسها الدولة ? حدوداً غير مسبوقة تفوق بكثير أسعار الأراضي بأكبر مدن العالم كمانهاتن ونيويورك وغيرها!! ألم يتساءل المسئولون عن الأسباب؟ هل بلغ الاستهزاء والاستخفاف بأمةٍ ناضلت وقدمت الغالي والنفيس لأجل الاستقلال هذه الدرجة؟ أما من وقفةٍ مع الضمير الذي مات (وشبع موت)؟ وإيقاف المهازل الأليمة والمريرة التي يدفع ثمنها أبناء السودان وستدفع الأجيال القادمة ثمنها مضاعفاً دون ذنبٍ جنته أو جريرةٍ ارتكبتها؟

 

أفيقوا يا أهل السودان ? وليس الشمالية فقط ? من غفوتكم الطويلة لكي لا يأتي يوم تُطردون فيه من بيوتكم التي تقطنونها، واوقفوا هذا الاستعمار الجديد وقاوموه. ونقول لمن يشتري هذه الأراضي من خارج وداخل السودان لا تشارك في هذه التجاوزات لكي لا تدفع الثمن (مضاعفاً) لاحقاً، فقد رأيتم بعضاً من المشاكل التي وقعت مع غيركم في مناطق أخرى لا يسع المجال لذكرها، وسالت دماء عزيزة و(بريئة) لأهالي تلك المناطق في دفاعها عن أرضها وأرض أجدادها، وستتواصل هذه المسيرة النضالية المباركة، وسوف لن يطول بقاؤكم في هذه الأرض مهما طال الزمن واستطال بكم الأمد.. وللحديث بقية في الجزئية الثانية الخاصة بالاستثمار في القتل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!