مقالات الرأي
أخر الأخبار

الجديد في (مروي) الذي يستحق الغناء ✍️ بروفيسور عوض إبراهيم عوض

حكى لي الراحل العظيم عبد الكريم الكابلي في أحد لقاءاتي العديدة به وقال لي: (عندما غنيت في بدايات الستينيات فيكِ يا مروي شفت كل جديد)، تساءل الكثيرون في الصحف والمنتديات واللقاءات الخاصة وقالوا: (ما هو الجديد الذي رآه الكابلي في مروي؟) وكان السؤال في معظمه أقرب للاستنكار، وكأن لسان حالهم يقول إنهم لم يلاحظوا جديداً يستحق التغني به في مروي. ولكني أقول لروح صديقي العزيز عبد الكريم الكابلي لو عدت اليوم إلى مروي فستندهش من الجديد الرهيب الذي يستحق أن نغني له جميعنا وليس وحدك، وهو (مدينة مروي الطبية). قد لا تصدق يا كابلي أن يد الحداثة السخية قد أنشأت في مروي ما هو أقرب إلى الخيال والأساطير. مدينة مروي الطبية هي أضخم مستشفى الآن يضم كل التخصصات الحديثة التي فاقت في مبناها وأناقتها ومعداتها كثيراً من مستشفيات العالم. نعم والله هذه كلمة حق وليست وصفاً للمزايدات أو المبالغة. وقد تفرد هذا المجمع بأحدث أساليب الاتصالات وقاعات الاجتماعات حتى قال الزوار: إنك تجد كل ما تريد في هذه المدينة الطبية المزودة بكل التفاصيل الدقيقة والتي هي في غاية التطور. وقد أنشئت هذه المدينة بمساحة تتجاوز 100.000 متر مربع، شاملةً مستشفى الضمان مروي الذي يسع 250 سريراً، ومركزاً للأورام بسعة 100سرير. وبجانب ذلك فإنها تضم عدداً من الأطباء لم يسبق لأي مستشفى من قبلها في السودان. ومن ضمن ما حوته مبنى خاص لمرافقي المرضى، ومشرحة لكل الحالات المتوقعة، وأقساماً للطوارئ زودت بكل ما تحتاجه إجراءات الطوارئ والإصابات العاجلة، وكذلك العيادات المتخصصة في أمراض الأطفال، والولادة، والحضانات، والعلاج الطبيعي، والأشعة المقطعية، والرنين المغناطيسي، والموجات الصوتية، وأجهزة تفتيت الحصاوي، وغسيل الكلى، وأجهزة كشف سرطانات الثدي، والأشعة العادية. والأشعة التلفزيونية. ووسط كل هذا سمق المسجد الواسع الذي توسط هذه الأقسام في شموخ واعتزاز بهويتنا وقيمنا الدينية. ومن ضمن ما حوته قسم الأطفال مرضى السرطان الذي هو جزء من مركز علاج الأورام المسمى مركز الضمان. وبهذا المستشفى الذي فاجأ كل أهل السودان عيادات كثيرة تشمل كل أنواع التخصصات والعيادات التي تعالج فيها كل أشكال الأمراض بما فيها الجروح والباطنية والكسور والجلديات وغيرها وغيرها. وحقيقة لقد عقدت الدهشة لساني وأنا أقف على هذا التطور المذهل الذي ما كنت أحسب أنه قد يحدث بالسودان في يوم من الأيام، ناهيك عن فترة هذه الحرب اللعينة التي جعلتنا جميعاً نشكك في إمكانيات هذا الوطن العزيز. ومما لا شك فيه أن القطاع الصحي يعتبر في عالم اليوم من أهم القطاعات التي تسهم في تحسين جودة حياة المجتمعات. وبذلك فإن مدينة مروي الطبية التي أصبحت الآن قبلة لكل أهل السودان تعتبر بكل المقاييس أبرز المستشفيات في الدولة على إطلاقها. وإلى جانب ما تقدمه من خدمات طبية متكاملة في كل أنواع التخصصات، فإنها تعتبر الآن مرجعًا للرعاية الصحية العالية بكل أشكالها. ولعلها قد تفوقت حتى على مستشفى (الإنجاز السوداني الألماني التخصصي) الذي أقيم قبل سنوات طويلة في جبرة وأصبح مرجعاً مشهوداً في مجموعة متنوعة من التخصصات الطبية. ولعل من أهم الأقسام بمجع مروي قسم الأورام والسرطانات الذي أسهم في تحسين جودة حياة المجتمع المحلي ورمى بظلاله على كل ولايات السودان في ظل الدمار المتعمد الذي أصاب مستشفيات العاصمة والولايات. وقد شهد قسم سرطان الأطفال في هذا المجمع العملاق تطورًا كبيراً شهد به كل من زاره خلال الأشهر الماضيات. وذلك من خلال التشخيص المبكر، والتقنيات الحديثة المستخدمة في الكشف على المرضى، وتمكن الفريق العامل من اكتشاف الأورام في مراحلها المبكرة جداً. وقد زاد هذا الأمر فرص العلاج الناجع للحالات التي مرت عليه. وبالإضافة إلى كل ذلك فإن تطور العلاج الشخصي قد بدا واضحاً في هذا المجمع بحكم تطور التقنيات التي جعلته أكثر فعالية وأقل تأثيرًا على الأطفال. وقديماً قال المختصون إن العلاج الشخصي له فوائده التي تنبع من الاهتمام بالعوامل الفردية لكل طفل. وبقي أن نقول إن تطوير الأدوية المستهدفة الحديثة التي حواها المجمع قد أسهمت في تثبيط نمو الخلايا السرطانية دون أن تؤثر على الخلايا السليمة. وهذه الأدوية بشهادة الجميع حسنت فرص البقاء على قيد الحياة للأطفال المصابين بالسرطان. ولا بد في الختام أن نشيد باهتمام إدارة هذا المجمع بالدراسات والورش والأبحاث التي أسهمت بدورها في تطوير أساليب العلاج والتشخيص. ولا بد للحكومة وجميع أفراد الشعب السوداني أن يعاونوا هذا الصرح العظيم، ويثمنوا الجهود المبذولة فيه من قبل الإداريين، والأطباء، والممرضين، والسسترات، والفحيصين، والأجزجية، والحراس، وعمال النظافة الذين أسهموا جميعاً في تقديم هذا المستشفى النموذج الذي أصبح تاجاً على رأس السودان. وأقول لصديقي الراحل العظيم عبد الكريم الكابلي طيب الله ثراه لو غنيت اليوم هذه الأغنية فلا أظن أن أحداً سيتساءل: (ما الجديد الذي وجده الكابلي في مروي ويستحق الغناء له).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!