مقالات الرأي
أخر الأخبار

سفارة السودان بالرياض وقنصلية السودان بجدة ✍️ بروفيسور عوض إبراهيم عوض

كاد جواز سفري أن ينتهي وتبقت فيه أربعة أشهر ونصف لم أفطن لها مع زحام العمل وكثرة طلابنا الذين نشرف عليهم بالجامعة. وعندما تقدمت بجوازي لوكالة السفر طالباً تأشيرة دخول للإمارات التي نويت أن أقضي بها عطلة عيد الفطر المبارك فوجئت برد الوكالة أن جوازي لا يصلح لطلب التأشيرة ما لم يكن سارياً لأكثر من ستة شهور على الأقل. وطبعاً هذا هو العرف المتبع في كل بلاد العالم. واتصلت بسفارتنا بالرياض لأخبرهم بذلك وكذلك بقنصليتنا بجدة مستفسراً عن الاجراءات المطلوب عملها من جانبي وما إذا كان الزمن القليل المتبقي للسفر يسمح بإجراء هذه المعاملة أم لا. وأدركت شيئاً آخر أكثر أهمية وهو أنني لا بد أن أتقدم بطلب إصدار جواز جديد بعد انتهاء صلاحية هذا الجواز القديم الذي كانت ديباجته تشير إلى أن عمره لا يتجاوز الخمس سنوات، ولا بد من إلغائه وعمل جواز جديد. وكان رد السفارة ورد القنصلية إيجابياً وطلبوا مني أن آتي لتمديد الجواز أولاً وتقديم الطلب للجواز الجديد الذي سيأتي من السودان. وبما أنني أعمل في أقصى جنوب المملكة بمدينة أبها فقد آثرت أن أذهب إلى جدة لأنها أقرب جغرافياً. وبالفعل حزمت أمتعتي وحملت جواز سفري وتوجهت إلى قنصلية السودان بحي النزهة. رأيت أرتالاً من البشر يتقاطرون صوب المبنى، والذين بالداخل أضعاف الذين في البوابة ينشدون الدخول. ولعل ظروف الحرب اللعينة في بلادنا هي التي جعلت الآلاف من أهلنا يتقاطرون نحو جدة وغيرها من المدن السعودية وكلهم يحتاجون للقنصلية أو السفارة لتسوية معاملاتهم. وبصراحة بصراحة فقد هالني الإبداع والشهامة والصبر والاحترافية التي يعمل بها موظفونا العظماء بالقنصلية. والله العظيم ذكروني بشهامة الإنسان السوداني وأخلاقه السامية التي كنت أخشى أن تكون الحرب قد قضت عليها. رجالٌ أشاوس بمعنى الكلمة. الكل منهم يعرف ماذا يعمل. ولم أر فيهم متجهماً أو متذمراً أو متأففاً وإنما الكل يتعامل مع العشرات من الذين يطلبون خدمة القنصلية. وأعجبتني سرعتهم في إنجاز طلبات كل من تقدم إلى أحدهم حاملاً جوازه، أو شهادات أبنائه، أو عقوداً تحتاج إلى التوثيق وما شابه ذلك. الكل يسألأ وهم يجيبون في أريعية بديعة. وأثناء جلوسي داخل إحدى الصالات التفتت إلي إمرأة كبيرة وقالت لي: (والله يا ولدي أنا فخورة بهذا الشاب الذي لا يكل ولا يمل ويبتسم في وجوه كل هؤلاء الناس. لم يرفض التحدث إلى أي واحد منهم، ويستلم أي ورقة يقدمها له رجل أو إمرأة ويقضي ما يراد منه). وقبل أن أرد عليها تحدثت إمرأة أخرى كانت تتابعنا وهي جالسة على كرسي وتحمل طفلاً صغيراً بين يديها وقالت: (والله أنا فخورة بهؤلاء الرجال العظماء لأنني عندما جئتُ للقنصلية أحمل طفلي هذا ظننت أنني سأموت من التعب لكثرة الناس ففاجأني أحدهم وقال لي تعالي يا أختي وحمل مني الطفل وأدخلني مباشرة للصالة التي بدأت في عمل الإجراءات لي، وعلمت حينها أن أي إمرأة تحمل طفلاً يعاملونها بنفس الطريقة فيا لهم من رجال نسأل الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء). في تلك اللحظة قررت أن يكون موضوع كتابتي لهذا العدد من مجلة (نبض المهاجر) هذه القنصلية التي أدهشتني بحق وحقيقة. وحرصت أن أعرف أسماء بعض رجالها الذين بهرتني جدارتهم وأصالة معدنهم التي رأيتها بأم عيني فقررت أن أشير إلى بعض الذين تابعت عظمتهم بنفسي وهما: العقيد عارف كنان ومجذوب مصطفى مجذوب. يا الله إنكما فخر لأهل السودان بلا أدنى شك. وهذا لا يعني أن هذين هما الوحيدان الجديران بهذا التقدير ولكنني لم أتمكن من معرفة أسماء البقية الذين لا يقل واحد منهم عن هذين البطلين. وبالفعل فإنهم جميعاً يمثلون خلية نحل بمعنى الكلمة. وأسأل الله أن تكون بقية قنصلياتنا في أنحاء العالم بنفس هذه الكفاءة والعظمة. وعبرهما أحي الأستاذ محمد حسن محمد علي القنصل العام بالإنابة، وكذلك سعادة السفير مهند عمر عباس عجبنا القائم بأعمال سفارتنا بالرياض وهو الذي شهدت بنفسي بأنه لا يجلس في مكتبه إلا لماماً لأن كل وقته يقضيه مع الجمهور في أقسام السفارة المختلفة، يحل المشاكل، ويذلل الصعاب ويجيب على أي استفسار مهما كان شكله. وهذه أيضاً شهدتها بأم عيني ولم أسمعها من أحد. فلله دركم أيها الرائعون المبدعون الأصلاء في قنصلية السودان بجدة وسفارة السودان بالرياض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!