مقالات الرأي
أخر الأخبار

ماهو سر هذا التفاؤل ؟ – (من الواقع) – ✍️ بروفيسور عوض إبراهيم عوض

سألني أحد المذيعين في قناة العربية عن رؤيتي للسودان ما بعد انتهاء الحرب الدائرة الآن، فأجبته دون تردد أن الوضع سيكون أفضل ألف مرة مما كان عليه قبل الحرب. وفوجئت بعد أيام قلائل أن أحد الصحفيين سأل السيد مبارك الفاضل رئيس حزب الأمة عن رؤيته لما بعد الحرب في السودان، فأجاب أنه متفائلٌ بأن يصبح السودان أفضل مما كان. وبدون أي مقدمات طالعت كثيراً من الآراء التي كتبها ذووها من سياسيين وأدباء وصحفيين وغيرهم في الأسافير المختلفة وكانت رؤيتهم جميعاً قد سارت في نفس الإطار، حيث أجمعت كل المقالات والردود الطويلة أو المقتضبة في أجهزة الإعلام المختلفة بأن الرأي المشترك لدى الجميع هو أن السودان سيعود أفضل مما كان طوال سنوات ما بعد الاستقلال 1956م. وفي الحقيقةً رغم أنني قد تبنيت هذا الرأي دون أن أطلع على ردود الآخرين إلا أن الدهشة قد عقدت لساني ولا أزال في حيرةٍ من أمر هذا التفاؤل الذي عم كل الأرجاء وجاء على كل الألسنة دون اتفاق. من أين نبع هذا التفاؤل؟ هل يا ترى بناه الناس على عبارة (تفاءلوا خيراً تجدوه؟) أم أنهم يرون خلف الدخان وميض نار؟ وعلى العموم فإن الرؤية المستقبلية للسودان تنبئ عن خير كثير رغم ضبابية الواقع المؤلم الذي عاشه ويعيشه الوطن الآن. ولعلي أود أن أقفز إلى المسكوت عنه في هذا الأمر وأقول: إن السنوات القادمات تحتاج إلى كثير من العمل الدؤوب إذا أردنا لهذا الحلم أن يتحقق. وأول ما نحتاجه هو أن نخرج من هذا الدرس القاسي برؤيةٍ واضحة عن أنفسنا. ولا بد أن نعترف بأن الذي أجج نار الفتنة في بلادنا هو نحن. نحن جميعاً، وليس الجيش، أو الجنجويد، أو قادة الأحزاب، وإنما نحن جميع أهل السودان شيباً وشباباً، رجالاً ونساءاً، أطفالاً وكباراً. وذلك بتواكلنا، وعدم مبالاتنا، وتساهلنا في أخذ الأمور، وتواضعنا الذي وصل إلى حد الوضاعة ونحن نتعامل من شأن الوطن في كل ضروب حياتنا. ليس بيننا حادب على مصلحة الوطن بل مصلحة ذاته الخاصة. وليس بيننا حريص على المال العام بل نهبنا منه ما نستطيع وما لا نستطيع. وليس بيننا من كان أمر الإنتاج هاجساً له بل كل ما في ذهنه أن يأكل هو وأولاده حتى ولو كان مصدر رزقه هو السحت والضرب على رقاب الآخرين. ولذلك نمى الطفيليون وزاحموا عتاة الرأسمالية الشريفة. واستشرى الفساد حتى أزكم الأنوف بلا وازعٍ من ضمير، أو خوف من حسيب أو رقيب. وتطاول البنيان الحرام حتى ناطح السحاب، وترهلت حسابات الكثيرين في المصارف حتى أصبت كلمة المليار تخرج من الأفواه وكأنها ملاليم. وتشظت علاقاتنا الاجتماعية التي كانت نموذجاً يحتذي في غابر السنوات ليصبح الرباط الوحيد بين الناس هو رباط المصالح الزائفة. ومن هنا نقول إن هذا الوطن الذي تفاءل الجميع بأنه سيعود بعد الحرب أفضل مما كان يحتاج من كل فرد منا أن يخلع جلده المهترئ الذي دنسته المفاسد، وأن نلبس جلداً جديداً يقوم على عتاب النفس، وتنقية الضمير، والإصرار على التوبة النصوحة من كل الرذائل التي دنست حياتنا وعصفت بنا وبالوطن الجريح. وعلى كل واحد منا أن يصمم على ألا يعود إلى الخنوع والدعة والتواكل والظلم البغيض. وأن يصمم في نفسه على أن يبني ما يستطيع من ركام هذا الوطن. وعلى كل فرد أن يدرك أن هذه هي الفرصة الأخيرة للنجاح في امتحان الوطنية الذي رسبنا فيه جميعاً مرات ومرات. ومن حسن الطالع أن أعداء الوطن من المحاربين القدامى والجدد الذين دمروا منازلنا ومرافقنا ومؤسساتنا لم يستطيعوا أن يدمروا إرادتنا والعزيمة في نفوسنا. ولعل هذا هو مصدر التفاؤل. ولذا علينا أن نستند على هذه العزيمة وأن ننميها ونطورها حتى تصبح نبراساً يضيء لنا طريق المستقبل. وليس هناك مستحيلٌ تحت الشمس لأن المحال والمستحيل مجرد كلمات في قواميس اللغة. والتاريخ مليئٌ بقصص الذين تحدوا العقبات وأسسوا لأنفسهم مجداً تليداً على أنقاض التاريخ المرير. والشعار الذي لا بد أن نرفعه هو: (لو تعلق قلب ابن آدم بالثريا لنالها). وبعد ذلك سنرى كل هذه الأقوال التى ملأت الأسافير وصفحات المجلدات عن التفاؤل بمستقبل مشرق للسودان وقد تحققت على أرض الواقع. فقط دعونا نبعد الساقطين والمنافقين والمراهنين على ضياع الوطن من طريق مستقبلنا بعد هذه الحرب اللعينة.

 

دمتم سالمين…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!