مقالات الرأي
أخر الأخبار

أهمية تطوير الجهاز المصرفي بالسودان ✍️ البروفيسور : فكري كباشي الامين العربي

أعتقد بعد انتهاء هذه الحرب اللعينة رغم كل سؤاتها وما سببته من دمار مادي ومعنوي للسودان الا أنها اتاحت الفرصة للتفكير الجاد في إعادة الإعمار بحيث تبدأ التنمية في السودان بعد انتهاء هذه الحرب اللعينة من حيث انتهى الآخرون من تقدم وتطور، فقطعا ليس بالضرورة على من أتى متأخراً أن يستهل تطوره باختراع العجلة من جديد ويكرر ذات الأخطاء التي وقع فيها من سبقوه من المتأخرين في اللحاق بالركب. وبالطبع، أن ذلك يتأتى من خلال بما ظللت اكرر دوما في المقالات السابقة بان المرحلة القادمة في إعادة الإعمار يجب أن يقودها العلم من خلال الاهتمام الجاد بالبحث العلمي والتطوير التقني وإيلاء الإهتمام والعناية الكافية للدراسات التي تشجع الابتكارات الخلاقة، ومن خلال تعلم كيفية تكييف (التقنية) القديمة بما يتلاءم والحالة الراهنة للعالم، وبداهة أن متطلبات الالتحاق بالركب تتطلب خيالاً إبداعياً خلاقاً وذهنية متفتحة ومتفتقة وتتمتع بالتحرر الفكري مع الإحتفاظ والتمسك بالأصالة والتراث والقيم الأخلاقية والدينية السمحة المتوارثة عبر الأجيال وعلى مر العصور. كما أن أحد أهم أسباب عدم تطور الجهاز المصرفي بالسودان هو الإخفاق المستمر في التوصل إلى ابتداع تلك المعادلة التي تحكم المزج بين كل تلك العناصر المتمثلة في الموارد الثرة والإمكانيات المتاحة، وتأهيل الكوادر البشرية بتوفير سبل التدريب السليمة وعدم الإستفادة من معطيات التقانة وذلك من خلال الانفتاح على الجامعات السودانية للقيام بدورها في خدمة المجتمع بالمساهمة في التخطيط والتنفيذ لبرامج التدريب الذي يسهم في رفع المهارات.

وكذلك أن سودان مابعد هذه الحرب اللعينة ، يتطلب العديد من الإجراءات والتعديلات لقوانين البنك المركزي الأمر الذي يحتم عليه تبني برامج متكاملة للأخذ بيد تلك المصارف ومساعدتها في رفع مقدرتها المالية والفنية لتواكب المتغيرات وتستعد لمجابهة التحديات المتوقعة والتي تقتضيها مرحلة اعمار ما دمرته هذه الحرب اللعينة ، ولذلك ينبعي إعادة النظر في مدى إمكانية تطوير الخدمات المصرفية للمصارف السودانية لمجابهة التحدي الكبير ولابد من رفع قدرتها وزيادة معدل قابليتها لتطوير خدماتها المصرفية مستقبلاً ، بالشكل الذي يمكنها من منافسة البنوك والشركات المالية العالمية العملاقة في مجال الخدمات المالية بما يتوفر لها من كفاءات بشرية وتنظيمية وتقنية متقدمة , ويمكن الاحتذاء بعدد من البلدان الاسيوية والتي قد نجحت في تامين نصيب كبير من التعاقدات الفرعية مع الشركات والبنوك الرئيسية متعددة الجنسيات وقد أسهم ذلك في تنمية الدول التي اصطلح على تسميتها ( النمور الآسيوية) وهي تضم كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة ، وهونج كونج ، وتايوان كما أن هنالك دول أخرى استفادت كثيرا من عولمة التعاقد الخارجي مثل ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند .

واعتقد ان الجهاز المصرفي بالسودان باعتباره عامل مساعد في تطبيق وتنفيذ السياسات النقدية والمالية وما يمثله من قلب نابض للاقتصاد ونظرا للواقع الاقتصادي الجديد، والذي يعيشه السودان فانه ينبغي على الجهاز المصرفي أن يكون مستعداً للقيام بدوره المتوقع في إعادة الاعمار. وباستعراض سريع لتطور ونمو الجهاز المصرفي في السودان خلال الفترة الماضية نجد انه قد تعرض منذ إنشائه وحتى اليوم إلى عدد من المؤثرات الهامة والتي أثرت على مسيرته طوال الفترة السابقة ، فلقد تم إنشاء أول بنك في السودان عام 1898م كفرع للبنك الأهلي المصري , ومنذ ذلك الحين ظل الجهاز المصرفي يؤدي خدماته المالية في السودان ، ولقد تم تأسيس بنك السودان بعد الاستقلال كبنك مركزي له شخصيته الاعتبارية وكبنك للحكومة ممارساً سلطات وزارة المالية في وضع السياسات الائتمانية ومنفذاً للسياسات النقدية المتعلقة بالتحكم في السيولة وعرض النقود ، وفي البدء ونظر للدور الرئيسي والأساسي الذي بلعبة بنك السودان بوصفة البنك المركزي فانه يتحتم علية تسارع الخطى نحو تدعيم الشبكة المصرفية السودانية الإلكترونية والتي يجب أن تشمل جميع البنوك العاملة بالسودان وتطوير غرفة المقاصة الآلية لكي يمكن القيام بتصفية الأعمال المصرفية وتسوية طرائق الدفع المختلفة والمتفق عليها على مستوى السودان والمستوى الدولي بشكل أسرع وبسيط وبكل سهولة ويسر.

ثم يلي ذلك تأهيل الجهاز المصرفي من خلال الاهتمام باستقطاب الكوادر البشرية المدربة والاتجاه صوب تحديث التجهيزات المادية وتأسيس المصارف المحلية وتجهيزها وفق آخر التطورات التكنولوجية الحديثة في العمل المصرفي والتي ستساعد حتماً في خلق خدمات مصرفية جديدة متقدمة ومبتكرة تتناسب مع حاجات ورغبات العملاء. ولا بد من تدرك البنوك التجارية المحلية العاملة أهمية الاستفادة من تقنيات العصر واستخدامها في تقديم خدمات مصرفية إليكترونية متطورة للعملاء باستحداث أجهزة الصرف الآلي وإضافة خدمات نقاط بيع وإصدار البطاقات الائتمانية باستخدام أحدث ما توصلت إليه الصناعة المصرفية العالمية في مجال الآليات والتجهيزات والبرامج والتطبيقات الملائمة وبالإضافة إلى اتجاه البنوك التجارية في تقديم خدمات مالية متطورة فلا نستطيع أن نغفل الدور الأكثر أهمية لاستقامة الجهاز المصرفي هو العمل بجدية لاستحداث البرامج الكفيلة بجذب النسبة الكبيرة من الكتلة النقدية المتداولة اليوم خارج نطاق الجهاز المصرفي. ولذلك يجب التركيز على تغيير المفاهيم السلبية عن الجهاز المصرفي لدي العملاء والتي رسخت في الأذهان خلال الفترة الماضية نتيجة لبعض الممارسات الخاطئة , والعمل على إعادة بناء الثقة في المصارف السودانية من خلال العمل على زيادة الوعي المصرفي ، ويتأتى ذلك أيضا اكرر أن يتم الاجتهاد والعمل على استخدام التطورات التكنولوجية الحديثة والابتكارات النقدية والمالية بفاعلية وكفاءة أكثر من قبل ، والتي حتماً ستؤدي إلى تغيير كبير في نظرية الطلب على النقود ، وبمعنى آخر فانه سيصبح بإمكان أي فرد أو هيئة الاحتفاظ بكمية قليلة من النقود مادام في الإمكان استخدام آلات الصرف الآلي والتي يجب أن تنتشر في كل مكان وفق دراسات علمية وعملية ، بالإضافة إلى السعي إلي انتشار أجهزة نقاط البيع في مركز التسوق الكبيرة والتي ستعطي الفرصة للمتسوقين من الدفع السريع دون الانتظار ، كما أن ترغيب العملاء في استخدام بطاقات الائتمان والتطبيقات على أجهزة الموبايل والتي سوف تلغي الحاجة إلى الاحتفاظ بكمية كبيرة من النقود مما يخفف من حدة الطلب على السيولة النقدية في كل الظروف .

وكذلك لابد من أن تتجه المصارف المحلية صوب الاهتمام الجاد بالتسويق المصرفي وإعطائه دوراً فعالاً داخل أنظمتها الإدارية الداخلية، وينبغي على المصارف التجارية العمل على تحطيم قوقعة الإمكانات المحدودة والعمل بكل جدية وتجرد على التوظيف الأمثل لكافة الموارد المادية والبشرية المتاحة ويمكن بتشجيع دمج بعض المصارف ذات الإمكانات المادية المتواضعة , كما انه من الضروري الاهتمام بالمصارف المتخصصة انه من المعروف أن البنوك المتخصصة هي عبارة عن بنوك يتخصص كل منها في نشاط مصرفي معين ، وتقوم فلسفتها على تحقيق الأهداف التنموية للمصلحة العامة وفق التوجهات الاقتصادية للدولة بغض النظر عن الربحية ، بينما نجد أن البنوك التجارية مفهومها الأساسي يرتكز على الربحية كهدف أساسي يسعى البنك للوصول إليه ، ولذلك ينبغي التركيز على أن تظل كل البنوك المتخصصة مملوكة للدولة حتى تستطيع تقديم خدماتها المالية وفق مقتضيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية كما تساهم في نجاح السياسات المالية والنقدية لتحقيق المصلحة العامة للسودان , نظراً لحاجة السودان الماسة للبنوك المتخصصة في المرحلة الحالية ولمقتضيات ومتطلبات التنمية والظروف الاقتصادية التي يمر بها السودان بعد انتهاء هذه الحرب اللعينة والتي قضت على الأخضر واليابس وحتى يمكن تحقيق التنمية الاجتماعية المنشودة , ولكي يتم دعم التوجه القائم الآن نحو استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية في مختلف المجالات .

البروفسيور : فكري كباشي الأمين العربي.

٣٠ ابريل ٢٠٢٤م.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى